Search

الاتفاق السعودي الباكستاني وإشكاليات الاستقرار الإقليمي

24/09/2025

وقعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع استراتيجي مشترك في 17 سبتمبر الجاري، أثناء زيارة رئيس وزراء باكستان “محمد شهباز شريف” إلى السعودية، التي جاءت تلبية لدعوة من ولي عهد السعودية الأمير “محمد بن سلمان”، وتمثل هذه الاتفاقية امتدادًا منطقيًا للتعاون الدفاعي الممتد، وبناء روابط وثيقة بين البلدين على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.

تتمتع السعودية وباكستان بعلاقات دفاعية طويلة الأمد، التي بدأت منذ ستينيات القرن العشرين، ووقع الجانبان اتفاقات لهيكلة التعاون الدفاعي بينهما، والتي كان من أبرزها بروتوكول عام 1982، وقد سمحت هذه الأطر التنظيمية بتعزيز التبادلات الدفاعية، مع تركيز باكستان على تقديم خدمات التدريب والاستشارات للجانب السعودي، ونشر قوات عسكرية في السعودية في اللحظات الحرجة خاصةً خلال الثمانينيات والسنوات الأولى من التسعينات.

ضمن التواجد العسكري الباكستاني في السعودية واتفاقات التعاون العسكري، وجود تفاهمات وروابط بين النخب الباكستانية والسعودية، الأمر الذي أسهم في كون الجيش الباكستاني عاملًا مهمًا لاستقرار العلاقة مع السعودية في اللحظات النادرة التي شهدت توتر العلاقات على المستوى السياسي، ومن المهم الإشارة إلى أن عدد من القادة العسكريين الباكستانيين قد سبق لهما العمل في السعودية، مثل رئيس الأركان الحالي الفريق أول “عاصم منير” ورئيس الأركان سابقًا الفريق أول “قمر جاويد باجوا”، فيما يشغل رئيس أركان الجيش الباكستاني سابقًا، الفريق أول “راحيل شريف”، منصب القائد العسكري للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب.

من الواضح أن المحادثات بشأن الاتفاقية كانت جارية منذ سنوات وأنها لم تكن مفاجئة، وجاءت لتحقيق هدف عام، يتمثل في تعزيز الردع المشترك، فهي “اتفاقية ردع دفاعي” وليست “اتفاقية هجومية” وغير موجهة ضد أي دولة، وعلى الرغم من عدم نشر بنود الاتفاقية، فإن الجانبين قد حرصا على إبراز نص محدد من الاتفاقية وهو “أن أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما”.

كما تعكس الاتفاقية الطموح السعودي لتعزيز قدراتها العسكرية مدفوعًا بالثقة المرتفعة التي تحظى بها الحكومة والجيش داخل المجتمع، وهو الأمر الذي تكشفه العديد من نتائج استطلاعات الرأي، وتحاول السعودية من خلال الاتفاقية تعزيز قدرات الردع تجاه أي تهديد، ففي حالة الهجوم على السعودية، فإنها لن تكون وحدها، وأنها ستستفيد من القدرات النووية الباكستانية وفق تصريحات وزير الدفاع الباكستاني، الذي أكد أن برنامج بلاده النووي سيكون متاحًا للسعودية، كما أن البلدين سيردان بشكل مشترك حال الهجوم على إحداهما.

على جانب آخر، توفر الاتفاقية إطارًا أكثر شمولًا للتعاون الدفاعي بين الجانبين، الأمر الذي قد يمتد إلى مجالات أخرى، خاصةً الاقتصادية، فالسعودية من أكبر الداعمين الاقتصاديين لباكستان، فخلال عام 2025 وحده، وقع الصندوق السعودي للتنمية اتفاقية تنموية مع باكستان لتمويل المشتقات النفطية بقيمة “1.2” مليار دولار، فيما قدم الصندوق منحًا لباكستان بلغت “533” مليون دولار منذ عام 1976 وحتى عام 2025، يُضاف إلى ذلك توقيع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (عضو مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، والتي يقع مقرها في السعودية) اتفاقية تمويل مع باكستان في يوليو 2025 بقيمة “513” مليون دولار لدعم احتياجات قطاع الطاقة الباكستاني، كما تمنح الاتفاقية فرصة لباكستان لموازنة الحضور الهندي الآخذ في التزايد في المنطقة الشرق الأوسط بشكل عام ومع إسرائيل بشكل خاص.

وعلى الصعيد الإقليمي، فقد جاء توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك بين السعودية وباكستان في ظل سياق يتسم بتراجع الثقة في الضمانات الأمنية الأمريكية، ولا يتعلق الأمر بالعدوان الإسرائيلي على قطر في سبتمبر 2025 فحسب على الرغم من كونه حدثًا غير مسبوق، لكنه يعبر عن التوجه السعودي الذي بدأ يتشكل بقوة عام 2019 مع الرد الأمريكي الفاتر على الهجمات التي استهدفت منشآت النفط السعودية، بما دفعها نحو الإبقاء على خياراتها الاستراتيجية، من خلال الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة التي لا تزال الضامن الأمني والمورد الدفاعي الرئيس والأهم، وفي نفس الوقت تعزيز العلاقات مع القوى الدولية خاصةً الصين والهند، مع تطوير سياساتها الإقليمية بما أسفر عن توقيع اتفاق بكين في مارس 2023 لاستعادة العلاقات بين السعودية وإيران.

كما تشهد البنية الأمنية الإقليمية العديد من التحولات، وتزايد مظاهر عدم الاستقرار، على أثر الهجمات الإسرائيلية التي تجاوزت حدود قطاع غزة لتشمل العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، وسعيها إلى الهيمنة، وإعادة تشكيل المنطقة وفق رؤيتها ومصالحها الخاصة التي تتسم بالتشدد والتطرف، دون اعتبار لرؤى دول المنطقة، إضافةً إلى تضرر القدرات الإيرانية على أثر الضربات الإسرائيلية والأمريكية خلال جولة التصعيد الأخيرة.

بالإضافة إلى إعلان دول مجلس التعاون الخليجي عن تفعيل آلية الدفاع المشتركة بعد الهجوم على قطر، وانعقاد اجتماع للجنة العسكرية العليا لرؤساء الأركان في القوات المسلحة بدول مجلس التعاون، لتقييم الوضع الدفاعي لدول المجلس ومصادر التهديد، وتوجيه القيادة العسكرية الموحدة لاتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتفعيل آليات الدفاع المشترك وقدرات الردع الخليجية.

وتمثل الاتفاقية نقطة تحول في السياسة الإقليمية وقد تحمل العديد من التأثيرات المحتملة على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، التي يكمن أبرزها في تعزيز القدرات العسكرية السعودية، وهو أمر حيوي وجوهري للأمن القومي العربي، خاصةً أن السعودية ستستفيد من الخبرات الباكستانية في هذا الإطار، ويأتي توقيع الاتفاقية كامتداد لمسار وجهود تطوير الجيش السعودي المستمرة منذ عام 2018 في إطار برنامج تطوير وزارة الدفاع الذي يحظى باهتمام ودعم من ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”

ومن المرجح أن تتجه الولايات المتحدة نحو استيعاب هذه الخطوة السعودية (يُحتمل وجود تنسيق مسبق)، لا سيما أن الخبرة التاريخية تُشير إلى أن الولايات المتحدة لم تقف بقوة أمام التحركات السعودية لبناء شراكات دفاعية مع القوى المختلفة، حتى مع منافسيها الدوليين، مثل الصين، إلى جانب استفادة الولايات المتحدة من الاتفاقية من خلال تخفيف العبء عنها، كما أن تزايد قدرة السعودية على تحقيق الردع من خلال الاتفاقية، قد يؤدي إلى تعزيز أجواء المصالحة الإقليمية.

وقد تتزايد حالة عدم الثقة في ترتيبات الأمن الجماعي التقليدية في منطقة الشرق الأوسط، وبحث دول المنطقة عن ترتيبات جديدة للحفاظ على أمنها القومي ومصالحها الرئيسة، وبالتالي ترتفع احتمالية بروز موجة من التحالفات التي قد تشكل أنماطًا جديدة من المحاور الإقليمية، والتي تتمثل فيما يلي:

  • المحور السعودي – الباكستاني، والذي سيعمل على إضافة أطراف أخرى، سواء من خلال الانضمام للاتفاقية بين السعودية وباكستان أو عبر إبرام اتفاقيات جديدة، خاصةً مع عدم استبعاد وزير الدفاع الباكستاني الإقدام على هذه الخطوة.
  • المحور الهندي – الإسرائيلي، والذي سيعتمد على تحالف “I2U2” كإطار تنسيقي لتحركاتهم، وقد يشهد هذا التحالف دفعة خلال الفترة المقبلة كرد فعل على الاتفاقية السعودية الباكستانية، إلى جانب التمسك بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) لربط مصالح دول هذا المحور بالسعودية التي هي طرف رئيس في الممر.
  • المحور التركي (قيد التشكل)، والذي سيعتمد بصورة أكبر على اللعب على التناقضات والمساحات المكشوفة والرمادية في أزمات المنطقة، ومحاولة الانخراط في أي ترتيبات أمنية مستقبلية، وهو ما يفسر التحرك التركي السريع لإبرام اتفاقات دفاعية وأمنية مع الكويت، إلى جانب تزايد حدة الانتقادات التركية لإسرائيل بعد هجومها على قطر.

وختامًا، تأتي اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان كتتويج للعلاقات الدفاعية الوثيقة والممتدة بين الجانبين، وتحقق لهما العديد من المكاسب والفوائد على أكثر من صعيد، فيما تتباين تأثيرات الاتفاقية على المستوى الإقليمي، ففي الوقت الذي ستتعزز فيه الإمكانات السعودية وقدرتها على الردع بما يوفر شروطًا أولية لاستمرار حالة المصالحة الإقليمية، فإن الاتفاقية قد تفتح الباب أمام بروز أنماط جديدة من التحالفات التي قد تقوض الثقة في الترتيبات التقليدية في المنطقة.

general Tarek abd El azeem
أقدار جيوسياسية .. مصر والمنطق المسئول تجاه القضية الفلسطينية
general ashraf
ردع أم استعداد للتدخل: مناورات الناتو في شرق أوروبا
general khaled
هل تلتزم اسرائيل بقرار محكمة العدل الدولية؟
drfahmy
إلى أين تتجه خيارات القوة واتجاهات التنافس والصراع؟
Scroll to Top